تحتضن قاعة الخزانة البلدية صباح السبت 28 أبريل الجاري ابتداء من العاشرة ، اشغال ندوة الدورة 13 لمهرجان السينما المغربية بسيدي قاسم ، بمشاركة ثلة من النقاد والباحثين السينمائيين المغاربة . فيما يلي الورقة التي أعدها الدكتور حميد اتباتو كأرضية لهذه الندوة الوطنية :
إقترح الفيلم الوثائقي رهاناته الخاصة منذ تبلوره كجنس سينمائي متميز، وكان أن برزت هذه الرهانات تدريجيا، وتم إنضاجها حسب احتياجات المرتبطين بالسينما الوثائقية، واحتياجات السينما عامة، واحتياجات المرحلة التاريخية التي تنتسب إليها التجربة الوثائقية. هكذا اقترح الرواد الكبار لهذا الإتجاه تحديد ماهيته إما بإبراز ما يخالفه عن السينما الخيالية، أو بما يعكسه من حقائق الواقع، أو ما يقترحه من قواعد وإضافات تغني شاعريته وأبعاده الفنية والإنسانية. لقد وجد دزيغا فرتوف في الوثائقي ما يثور المعنى الحقيقي للسينما وذلك بعد أن ارتكز على أساس المونتاج الإيديولوجي، وجعل غريرسون من الأساس الجمالي والبعد الإنساني مدخلا لتمييز اتجاهه التسجيلي، وجاءت السينما الوثائقية صيغة الأمريكيين لرفض الجماليات الهوليودية، وإلى جانب كل هؤلاء كان مؤسس هذه السينما روبيرت فلاهيرتي قد اقترح البعد الشاعري لإنضاج مسعى المعالجة الإبداعية للوقائع الحقيقية، وقد اعطيت لهذه السينما وظائف متنوعة بتنوع الأسماء والتجارب وخصوصية السياق التاريخي الذي تنتج فيه هذه السينما، واستحضار علاقة الفيلم الوثائقيي بالسياق التاريخي هو استحضار لتنوع الرهانات التي حكمت هذا الجنس في هجرته من مواقعه الأولى التي تبلور فيها إلى بقية بلدان العالم التي منها المغرب.
لقد برز الفيلم الوثائقي في المغرب كاتجاه انشغلت به الكثير من الأسماء المغربية أمثال سهيل بنبركة، وعبد الرحمان التازي، ومحمد الركاب، وعبد القادر لقطع، وسعد الشرايبي إلخ، وجنس سمح بتبلور تجارب هامة في سينمانا من قبيل، تجارب مومن السميحي ، وأحمد المعنوني، وأحمد البوعناني، وإزة جنيني، وحكيم بلعباس، وعلي الصافي... أكثر من هذا استحضر الفيلم الوثائقي المغربي الرهانات والوظائف الكبرى لهذا الجنس مع مدارسه الأصلية بما في ذلك رهانات توصيف الواقع و إعادة تركيبه، وإضفاء ملامح الشاعرية على العابر و الجزئي، واستثمار المونتاج لتثوير الحقيقة الواقعية ، وبناء شهادة للتاريخ إدانة للتشويه ومواجهة للتزوير. المفارق هو أن استحضار فاعلية الوثائقي وتحقيقه بكامل بذخه الإبداعي والفكري خاصة لدى بعض الأسماء الرائدة لهذا الجنس أمثال: مومن السميحي، وأحمد البوعناني، وأحمد المعنوني، وحكيم بلعباس، وعلي الصافي، وفاطمة جبلي الوزاني إلخ... ، قد توافق مع تهميشه الكبير كما تؤكد ذلك وقائع عدم دعمه، وعدم قبوله في أغلب دورات مهرجان السينما المغربية، وتغييبه عن قاعات العرض بالوطن إلخ... هذا ما يدفع لمساءلة واقع هذا الفيلم وسبب تهميشه، إلا أن ما يشجع "مهرجان سيدي قاسم للسينما المغربية" لاقتراح ندوة الدورة حول "رهانات الفيلم الوثائقي المغربي" هو العودة القوية لهذا الجنس في الفضاء العام وفي حقل الإعلام الرقمي، حيث أصبحت الصورة الوثائقية أداة فاعلة لفضح البؤس واللاعدالة والقهر واللا معنى في وجودنا العام. لقد أصبحت الوثيقة المصورة آلية لكشف الحقيقة المغيبة وإدانة التزوير الكبير.
لقد انفتح الفيلم الوثائقي المغربي على أوجه عديدة للواقع، كما استثمر جماليات خلاقة وأصيلة، ونقل ماهيته من معناها الحرفي والبسيط إلى معناها الإبداعي الباذخ بالدلالة وهذا ما يعني ندوة المهرجان أن تسائله انطلاقا من المحاور التالية:
- الفيلم الوثائقي المغربي: من ثوابت التأسيس إلى إبدالات التأصيل؛
- الفيلم الوثائقي المغربي: من التهميش إلى الفاعلية؛
- الجمالي والفكري في الفيلم الوثائقي المغربي؛
- معنى الواقع والحقيقة في الفيلم الوثائقي المغربي؛
- الخصوصية الإبداعية في الفيلم الوثائقي المغربي( قراءة في تجارب: حكيم بلعباس- علي الصافي- إزة جنيني- أحمد المعنوني إلخ)؛
- الفيلم الوثائقي المغربي: من فضح بؤس الواقع إلى تفجير التنميط الإبداعي.
اعتماد المحاور السابقة لمناقشة الفيلم الوثائقي المغربي، وبلورة مداخلات الندوة هو مدخل فقط للمرافعة بصدد أهمية هذا الجنس، وفاعلية رهاناته التي تستهدف إنضاج تأصيل مشروع السينما الوثائقية بالمغرب، وتأصيل المعنى الحقيقي للسينما الوطنية، والربط بين هذا الفن وبين احتياجات الواقع وفي هذا ما يوفر كل المبررات لاقتراح مداخل إضافية لإغناء الحديث عن "رهانات الفيلم الوثائقي المغربي" في ندوة مهرجان سيدي قاسم للسينما المغربية.